الاثنين، أبريل 19، 2010
تكســـــت - فـي البــــدء ..... هـيـــــأة التحرير
في البدء
لا يخفى على متتبع مدى الضرر الذي لحق نسيج الثقافة العراقية جراء تراكم السياسات الخاطئة في معالجة المشكلات الاجتماعية المتجذرة أو التي طرأت بعد فترة حكمٍ همش دور المثقف في الحياة العامة . مما أسس لنوع من الاعتقاد بهامشية الثقافة وعدم مقدرتها على معالجة المشكلات الاجتماعية . أو الإسهام في بلورة حلول ناجعة لها. الأمر الذي يستدعي السؤال التالي: هل نمتلك نحن العراقيين ثقافة حيّة ؟
بمعنى الثقافة ذات الأفق المحيط بمجمل نواحي الحياة المعاصرة .. قد تكون الإجابة عن هذا السؤال, محاولة لسد عدد لا يحصى من الثغرات في جدار ٍ هش . من خلفهِ يحتدم سيل التغيرات المعلوماتية والعقائدية . سيل يندفع نحو أرض ٍ بكر هي ألآن أقصى متنفس لمساحتهِ التجارية وتجاربه نحو استمداد البقاء .
فيما نحن عازمون القيام به في Text لا يـَعـِّدُ في تغيير جذري. أو يحاول استمالة المفاهيم على نحو ما يدعي خطاب كل مطبوع في بدء انطلاقته . إنما هي محاولة لتقريب الأوجه المشرقة للثقافة الرصينة وربطها بآليات الإفادة منها . وخلق مساحة لجدلٍ ثقافي يمنح قوة للسؤال والحوار .بعيداً عن نبرة الإقصاء والتهميش . كاشفاً متسع للجدّة في مدينة كالبصرة تفتقد منذ زمن لمبادرة تتصدى لمشهدها الثقافي الحقيقي . هذا الشغل الأمثل لعملنا هذا.
قد نخفق وقد نتعثر . إلا إنها محاولة لإضاءة شمعة في هذه الحلكة الداجية من الواقع الراهن .
Text مشغل الجميع بلا قيد أو شرط. ولعل العمل فيها من قبل هيأة تحريرها أو جهة إصدارها حتى تصل القارئ . بجهد تطوعي لهو خير دليل على نقاء سرائرنا جميعاً .
هيأة التحرير
تكســـت - طفل النخل ...و حراجة الاسئلـة
طفل النخل .. وحراجة الأسئلة
في الاصبوحة التي انكفأ دورق طالب عبد العزيز في إتحاد الأدباء. فأخضل المكان واعشوشبت الجدران وانسلت الجداول من بيننا واحدودبة جذوع النخل فعبرنا إليه وقد تركنا اسمال حاضرنا وسجدنا أمامه نصف عراة أو شبه مجذوبين . كان طفل بضَّ الجسد . يترقرق من على كتفه ذلك الأفق الندي . وقد أطرقت يديه قابلة نثار الرماد يجلل غض الرؤوس . فأنصتنا إليه(لكّنُه الجنوب يضيق)
قدمه الشاعر الكبير كاظم الحجاج . وكعادته كان الحجاج ثراً معطاءً وقد بدا لنا كأنه يضيف طالب في بيتهِ . فأخرج أفضل ما عنده . وهو يقول :
( ولأنني أريد أن أقدم (طالب ) جيداً, فلا بد من العودة إلى لغته التي تفرّد بها , منذ بداياته كما قلت . فجملة طالب وتركيبها المتآمر . ثم إقفالها الختاميّ غير المألوفة . فأزعُم أن تلك اللغة هي خصيصة امتياز أولاً . وهي مأزق ٌ محير ثانياً , ما بين الشعر ولغة الشعِر . فجملته وحدها يمكن أن تمنحنا أنبهار الشعر ومفاجأته. لكنها قد توقع مبدعها ـ أعني اللغة ـ في وهم أن يكتبَ فحسب, لكي يُبهر. حتى أنه وبعدما زاد عددُ مجموعاتهِ الشعرية, صرنا نتساءل حذرين أو مشفقين: هل الذي صار يتكرر هو قصائد الشاعر, أم لغتهِ التي امتاز بها, حتى صارت ـ أو كادت تصير ـ قيداً على مبتكرها حتى وإن كانت قيداً من حرير ؟ )
كنت قد قرأت كثيراً لهذا الشاعر البصري طالب عبد العزيز . وأقول البصري لإيماني بان الفرادة لا تأتي بحشد العوامل . أنها انبثاقة واحدة في مكان واحد . وثم تشع فيستضاء بها . ولا أقرب إليه مما قاله الشاعر عبد الكريم كاصد بحق طالب عبد العزيز يصفه ب :(عميق الإدراك ) . والعمق والإدراك خصيصتان ليستا في المنظومة الافهامية للغة العربية تداولا . إذ يؤخذ معناهما في اللغة العربية من باب القياس والمقارنة . لا من جانب الوعي والإحاطة . كما في المفهوم الغربي للكلمتين . لذا استقدمها عبد الكريم كاصد . ليصف تجربة بحجم تجربة طالب عبد العزيز أحكمت نسج لغة تعد مثار تساؤل كما يقول الحجاج :
( اقترح لكي يكتمل هذا التقديم. أولاً : أن. يكشف لنا (طالب ) أسرار لغته . وجملته. ومن أين أتته. أو جاء بها ؟ هل هي من تأثيرات البيئة البصرية الريفيّة المتمد نة؟ أم من تأثير القراءات الأولى ؟ اعني . ما هي مصادره اللغوية والشعرية ؟)
وهنا بدأ طالب أكثر تألقاً فردَ : أنها تجربة حياة .!
وثانياً والكلام للحجاج : أقترح على طالب أن يحدثنا عن مؤهلات وجدارة قصيدة النثر على الاستمرار . وهل هي نهايات الشعرية العربية . أم هي لون ٌآخر وكفى ؟)
فينعقد الأمر للحضور وتتداخل الأصوات . إلا إن التجارب مواقيت لا تستعاد . فينخرط الجمع في صمت مهيب . طفل النخل ينثر الشِّعر .
( حين تكون البهجة داكنة )
في الحَانةِ التي على الشَّارع ِ ، بعينكاوة
ُتركتِ النافذةُ مفتوحة ً..
لِتَصْطَبِغَ السَتائرُ بظِلالِ المُتعجّلين .
النادِلةُ ببنطلونِها الجِينز،
مسيحية ٌ، من بغدادَ
قدَّمتِ البيرة َ(مكسيكيةً بالمِلح ِوالليمُون)
وغابتْ،
قلتُ : أنا مِنَ البَصرة،
لكنَّ الهواءَ تَنفسَها سَريعاً.
ظلَّ شَعْرُها ينهمرُ على الطاولات ِ
معَ الكُؤوس ِالتي تفرِّقُها
حتى إِنْتَصََفَ اللَّيلْ .
****
قُلتُ: كأساً منْ نبيذ ِالقَرية ِأحمرَ
أروَّي فَسيلَ الرُّوحِ .
كانتِ الرَّاقِصُةُ ُفي اللّوْحَة نائمة ً
والنادلة ُتروحُ وتغدُو بَينَ المَقاعد ِالخَيزران
هذا الجَسدُ النصَّرانيُّ يسبحُ دائِخاً
فيما ُيُصِّعدُ النبيذُ الجبليُّ ارتسامَ الصورِ على الحَائِط
No wine after beer
تقولُ النادلة ُ ِحكْمَتهَا الانكليزية َ، وتَنْصَرِفُ
***
ومثلُ عَرْض ٍمسْرَحيٍّ أخْيرٍ
كانتِ القاعة ُ شِبْه َ خاليةٍ منَ السُّكارى
أقل ِّمنهمُ، الذينَ غفوا على الطاولات ِ
أرففُّ البارِ سوداءُ
والنورُ الذي َظلَّ يسقط ُعلى زجاجاتِ النبيذِ
شيئاً فشيئا، كانَ أسودَ !
هلْ كانَ نبيذ ُالقريةِ يصِّعدُ البهجة َ داكنة ً؟
***
مِنْ جَدولٍ على السَّفح ِ يأتي النبيذُ ،
هذا الليلُ يُسرِّحُ الجَبلَ حَانة ً
وطفلُ النَّخل ِلمَّا يَرتو بَعْدُ
منذُ سَنواتٍ لمْ يقفْ على طاولتي نادلٌ
لمْ أرَ تعْتعَة َالندِّمان ِعلى الأبواب ...
***
مِنْ قَرية ٍ بالمَوصِل جاءوا به
تقولُ النادِلةُ :
فَيزَّلزَلُ وادٍ بينَ ذِرَاعيها
قلتُّ :أيّ أنتِ ، يا هذا ،
ليسَ للسُّكرِ، يزدحم ُالغرباءُ في حانتِك
لكنِّه ُالجنوبُ يَضِيقُ !
في قُدّاس ِ الآحاد، كانَ أبوُنا سُولاقى
راعي السِّريان ِ الكاثوليكِ بالبَصرةِ يقول :
تطولُ البنادقُ فيشحُّ النَّبيذ .
تكست
2010/2/6
تكســـت - موعدنا في باب الكرنـك
... موعدنا في باب الكرنك !
كلمة مشطورة إلى نصفين على مقربة من تمثال العامل في قِدر ساحة أم البروم الحديث. لما يزل ذلك اللمعان الأحمر بادياً عليها رغم وطأة الركام الذي أصبح شاهداً على خراب المدينة وإنهمام ذاكرة أُناسُها بماضٍ بات في خلد البصريين من وحي الزمن الجميل إنها ( الكر/ نك ) ذلك الزمن المستحيل
.إن من أهم الظواهر الحضارية والثقافية في جميع البلدان هي دور السينما , فالسينما لها تأثير مباشر وفعّال على المجتمعات , وهذا التأثير له القدرة على التغيير والارتقاء بالمجتمع , إذ إن السينما هي رافد ثقافي تربوي في آن معا .
كثير من الأميين الذين لم يقرؤوا كتابا واحدا في حياتهم كانت السينما منهلهم الثقافي الوحيد في الحياة , لذا نرى المدمنين على السينما والذين هم على وشك الانقراض يحملون قيما إنسانية وأخلاقية عالية استلهموها من شخوص وإبطال السينما , فمشاهدة الفلم عبارة عن قراءة قصة أو رواية
لا ادري إلى ما نعزو تراجع ذائقة المسئول تجاه السينما ؟في ظل فهم غير سوي يعرف السينما بأنها عارضة أزياء للملابس القصيرة او الصور نصف العارية , لماذا لا يُنظر إلى الجانب الأخلاقي في السينما , إلى الدرس الإنساني الذي تتعلمه الناس من محتوى الأفلام ,
هذه النظرة القاصرة جعلت سينمات البصرة عبارة عن مخازن لبضائع التجار ولم تبق في البصرة سوى سينما اطلس التي فتحت بعد غلقها الذي دام أكثر من خمس سنوات .
التقينا مدير سينما اطلس / السيد محمد محمود شاكر فتحدث : تم افتتاح سينما اطلس أول يوم عيد الفطر المبارك العام 2009 وقد واجهنا صعوبات كثيرة بسبب غلق السينما حوال 5 او 4 سنوات , وعندما فتحت دار السينما أبوابها لاحظنا أن الجيل الجديد عندما يدخل السينما يكون متفاجيء وهو يشاهد هذه الشاشة الكبيرة يا للأسف إلى هذا وصلنا ؛
هذا بالنسبة لمديرية البلدية والمحافظة إما دائرة الصحة فقد قامت بغلق السينما لمدة سبعة أيام والسبب هو عدم تجديد الإجازة. فهل تجديد ورقة معلقة على الحائط يستوجب إغلاق دار عرض لم تمارس عملها منذ أكثر من خمس سنوات ؟ , وحين التقيت بمدير الصحة قال : هذا ليس عملي ولا مسؤوليتي هناك جهات اعلى مني تطبق القانون وكان القانون مطبق بجميع حذافيره عدا سينما أطلس لا تطبق القانون , فغلقت لمدة سبعة أيام مع غرامة (50) ألف دينا عراقي وتم تجديد الإجازة .
المشكلة إن سينما أطلس هي السينما الوحيدة التي بقيت في البصرة فسينما الكرنك هدمت , وسينما الرشيد بيعت لأحد التجار وسينما الوطن أصبحت مخازن للبضائع .
تكست
تكست - كفــــة المثقف بقلم هيثم جبار عباس
كفّة المثقف
تقول الكاتبة الألمانية الرومانية هيرتا مولر الحاصلة على جائزة نوبل للآداب عام 2009 في احد الحوارات ( ليس هنالك طريقة تستطيع من خلالها ان تصهر الثقافات القديمة كلها في ثقافة جديدة ) استوقفتني كلمة هيرتا نوعا ما , وطرحت سؤالا على نفسي وقلت : هل بإمكاننا ان نصهر ولو جزءا قليلا من بعض الثقافات القديمة في ثقافة جديدة , المشكلة ان مجتمعاتنا العربية والإسلامية لما تزل متمسكة بثقافات مستهلكة , على الرغم من كل هذا الانفتاح على العالم وما فعلته ثورة الاتصالات عبر شبكتها العنكبوتية , وثورة الفضائيات عبر شاشاتها الصغيرة , الا ان الوضع يتحول من سيء الى أسوا , وكأن الثقافات القديمة تتجدد في كل عصر ولم تتأثر المجتمعات العربية ولا سيما المجتمع العراقي بهذا التطور السريع . ففي ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم كادت ان تموت الثقافات القديمة , حيث كان المثقف في تلك العقود له تأثير مباشر وفعال على المجتمع , وما ان بدأت منطقة الشرق تدخل دائرة الحروب وتسيد الفكر الشمولي والحزب الواحد . أخذت تنمو الثقافات القديمة , المتراكمة في المخزون التراثي , لتملىء الفراغ السياسي , وتعيد أمجادها من جديد , ظنا منها ان ثقافة العقود الستينية والسبعينية والتي قبلها هي ثقافات هشة وغير رصينة , وهي التي أتاحت الفرصة وفتحت المجال امام الدكتاتوريات لتستولي على الحكم . وقد تقبلت جميع الشعوب هذا الفكر التراثي ( التعصبي ) , وظهرت جماعات تحمل ثقافات إسلامية معارضة للأنظمة الدكتاتورية الحاكمة في العراق ومصر ولبنان وأفغانستان وكثير من دول المنطقة خصوصا بعد نجاح الثورة الإسلامية في ايران . المؤلم ان في هذه الثقافات الاسلاموية المتجددة , تحولت الى تطرف مذهبي وتعصب ديني وأصبحت تقتل وتذبح باسم الدين , حيث ظهرت أفكار جديدة من هذا التعصب والتطرف لم نسمع بها من قبل كـ(فكرة التفخيخ ) والانتحار والحصول على الجنة بضغطة زر , وفكرة الفرقة الناجية والكل في جهنم , المشكلة حينما ننقب التاريخ نجد ان هذه الافكار ليست وليدة امس او اليوم , بل هي افكار متجذرة في عقائد مجتمعاتنا العربية , ومستنبطة من صميم تراثنا , وقد مورست هذه الافكار بشتى أنواعها عبر التاريخ العربي والإسلامي , الا ان الفارق هو باستخدام الأدوات ففي العصور السالفة كان الرمح والسيف وقطع الرؤوس قائما على قدم وساق واليوم الـ ( تي ان تي ) والتفخيخ هما البديل , وكأن التاريخ يعيد نفسه كمال قال ( فردريك انجلز ) . فكيف يستطيع المثقف ان يصهر تلك الثقافات العقائدية القديمة بثقافة حديثة , هل هناك طريقة للتخلص منها ؟ نحن لا نؤمن بصمت المثقف , ولكن الثقافة مستويات متفاوتة بين الناس , على المثقف ان يرتقي بنفسه ولو ببضع درجات , ليتحول من مثقف جاهز لطرح الأسئلة الى مثقف مفكر يرفدنا بحلول المشكلة , المثقف هو الذي يطرح المشكلة بمستواها العام , والمفكر هو الذي يجد حلولا لهذه المعضلات , معضلات التفخيخ والتفجير , من أين جاءت ؟ وكيف نمت واستفحلت ؟ وكيف القضاء عليها . اعتقد ان هناك حلولا بسيطة للتخلص من تلك الثقافات القديمة , وهي مواظبة المثقف على معالجة جزء من ثقافة الموروث القديمة , لكي نستطيع بناء ثقافة جديدة , وليس الموروث برمته بل بعض ثقافاته القبلية , هذه الثقافات التي لم نجن منها سوى التقتيل والتهجير والتطرف الديني والانشقاق الطائفي , هذه الثقافة التي تحض على قتل الإنسان ولا تترك مجالا للحوار , وإلا ماذا تتوقع من بعض الخطباء حينما يفسرون هذه الآيات الكريمة (( اقتلوهم حيث ثقفتموهم )) (( اعتدوا عليهم بمثل ما اعتدوا عليكم )) بالتأكيد لا نتوقع من الذي يستمع الى تفسير هؤلاء سوى التفخيخ والانتحار في سبيل الله , على المثقف ان ينظر الى التراث بمنظار حديث ويحدق بثقافة تراثه التي ما زالت تمارس لحد الآن ويعمل على استئصالها جذريا , حتى لو تطلب الأمر ان نكتب تاريخا جديدا .
هيثم جبار عباس
Hm_jb@yahoo.com
تكست - الرماد يطال ضحكاتنا بقلم سهيل ياسين
الرماد يطال ضحكاتنا
* سهيل ياسين
لم اعد في النهاية، اكثر من راوٍ بالكاد يجمع شتات حكاياته ويخفق في كل مرة باستمالة الاخرين، لا ينصت اليه السامعون، الا لماماً، ترى هل كان ذلك تجاهلاً مقصوداً او عدم رغبة منهم ام لان ما يشغلهم من حزن معمم هذه الايام، كان هو اعظم من تخاريف مستعادة وثرثرة مكررة لكائن جاء ليشقى فقط، لم يغتنم من الحرب الاخيرة غير اوجاع جديدة ومقعد متهرئ للقيادة او ما تبقى من حطام شاحنة الجنود او ايفا العسكر القديم، اتخذه احيانا كرسيا قلقا للتأمل والكتابة، اتحصن به كلما شعرت بالضيق والتوتر، معتزلا زاوية ما في حوض سطح داري الخفيض، بمواجهة الشمس، استحضر كياناتي السردية بمشقة، من على هذه الغنيمة البالية، اقود عربة القص المتعثرة باتجاهات مجهولة تحددها لحظة الكتابة.
* **
يترصدنا عند كل خطوة، يتربص بنا ذلك الشرس الخفي، المجهول، العادل في توزيع القتل، انى مكان شئت على الكرسي الوثير، في اكتظاظ حافلة هرمة، عند المنعطف القريب، اقصى موطئ في الباب الشرقي، ادنى زاوية في باب المعظم، اينما اصبحت، فوق ناصية الطريق التي كانت يوما ملتقى اثيرا للاصحاب ومنطلقا اول نحو مباهج العاصمة، هل كنت تدرك ان اياما من الرماد قادمات عجلى تطال ضحكاتنا المجلجلة وخطايانا البريئة وتمحو اقدامنا الوئيدة على بلاط الطرقات في نهارات هادئة. جالبة الموت المعجل في مواسم الدم والقطاف الاسود للاحبة والاصدقاء، انت الان تمشي بحذر وحيدا خائفا في مركز المدينة القديم، تلك التي كان يقول عنها الصحب: باب المعظم عاصمة افراحنا، لا مواعيد ودية للاصدقاء ولا لقاءات صاخبة تجمعنا في بغداد الوسيعة، من يصدق ان شرفة في عمارة ما او نافذة في طابق علوي لعيادة طبيب هاجر قسرا او سافر سرا، تتحول الى منصة خفية لقناص يتعقب ظلال المارة، يتصيدهم في وضح النهار.
اعط ظهرك للريح القادم من جهة الميدان لان المسافة بينها وبين باب المعظم قرون لا تنتهي تحت قصف الهاونات ووابل الرصاص المنهمر بين حين واخر، فمن الشجاعة والفضيلة ان تحفظ لسانك وتنفذ بجلدك وتعود بالخضار.
* * *
اذا كان الوحيد القادر على تغيير الاشياء وتبدل ملامحها هو فعل التقادم وما يخلفه ايقاع الزمن البطيئ، فان الرعب والخشية من حصاد العنف الدموي هو اشد ضراوة في تغيير خارطة المكان، كل شيء تحول سريعا وبدا مريعا لا بحكم الزمن وبرغم البنايات هي البنايات والشوارع هي ذاتها وان حفتها موانع اسمنتية وحواجز سلكية، فظلال التوجس في كل وجهة يخطر، وشبح الموت يرف على وجه الاسفلت يملأ المكان كامنا في الزوايا والثنايا الخفية. كل شيء عصي على التوصيف ازاء ما يحصل من هندسة للخراب وما يؤثثه توقع طلقة طائشة وما ترسمه عبوات مفخخة من رؤى وخيالات مفزعة للمارة العابرين، الخاطفين خفافا نحو مخابئهم. محطة الحافلات الكبرى في الميدان ببغداد مصيدة للقتل والهلاك، الساحة تفقد الوانها، كانت تودع الغادين وتستقبل الآتين من اطراف بغداد، عمالا وطلابا وموظفين صغار، لم تعد تأوي الا انفاراً قليلة مرعوبة من مخلوقاتها الرثة الفقيرة، من باعة ومشترين، لا يلبثون طويلا، خشية العبوات المميتة، تختفي الان تحت حطامها الاشباح والممسوسين وانصاف العراة والمجانين والمشردين تتبعهم الكلاب السائبة.
عجل بخطاك الوجلة، فالليل يبدأ قبل اوانه والمسلحون واللصوص قد يهبطوا الى الشوارع والساحات على حين غفلة، توقفت العجلات وتعطلت المركبات فهي لا تذهب من هنا ولا تعود من هناك، لا تسمع سوى وقع خطاك غير الرتيبة، واطلاقات بعيدا تعلو، قد تتجدد هنا، بين لحظة واخرى، في مدينة كانت ضاجة بالحياة، تخفق الان في تحقيق موعد عابر فيها، او لقاء سريع مع صديق لا يبتعد عنك خطوات معدودة.
لا تدري على وجه اليقين، كيف تهيأ لك وانت تشق طريقك بصعوبة بالغة ان ترى في نهاية الشارع المفضي لمشفى المدينة الكبير، اقصى اليمين تحطم المبنى القديم للعمليات الصغرى، صالة ختان الاطفال والصبية وهي تتهاوى تحت خراطيم حديدية عملاقة تذكرت حينئذ قبل اكثر من اربعين عاما حين دفعت اليها عنوة خائفا كما هو انت اخذ بيدك مذعوراً تتمنع في الكشف عن ذكرك، حياء من الجراحين وخوفا من ذوي الصداري البيض يتناوب المشهد المختلط امامك، قطيع من مرضى وانصاف احياء واشباه موتى وجرحى يجلبون من نواح خفية عدة، تضيق الرؤية بزحمة وتلاحق التوابيت المحمولة فوق المركبات المنبثقة من نقطة تلاشي الافق في منتهى الشارع لتملأ الامكنة المحيطة والمجاورة، طقسا جنائزيا قسريا معلنا ومضافا لتاريخ القتل السري، ايام الدكتاتور قبل قدوم المحتل، اتنحى يمينا، احاول ترميم المشهد يسارا هنا كانت مقهى تزدحم بسواق وجباة الحافلات الحكومية يؤمها طلاب وشلة مثقفين ثوريين وعمال عاطلون لا يبرحون المكان الا اخر المساء، هنالك، قبالة موقف باص الركاب كان الحيز المفتوح مضاءً بحشد الحافلات الصاخبة بالناس ونداءات الباعة على الرصيف.
ما ابهج الحياة في الذاكرة، جامعيون يشقون طريقهم للدرس ورجال ونسوة يغذون السير الى مبتغاهم بهدوء جليل في ساعات تغسل المدينة شمس الصباحات، او تنعم بهدأة المساءات، الى الجوار فتية يحثون الخطى على عجل الموعد قد فاتهم في دار السينما او حلقة نقاش في بار نواسي او دورة دومينو او لعبة نرد في مقهى او التسكع عند ضفاف دجلة او جلسة سمر ليله الصاخب، ولابد ان يناكبك في الزحام جمع من شبان متحلقين حول اعلان مغر، او جمهرة عند بائع بطاقات اليانصيب، واشياء اخرى مبهجة، تتدلق في زمنك المستعاد بالكتابة ترى هل استطيع ان انفذ سرا داخل ما تصنعه اقلامي الخجولة واندس خلسة بين اوراقي الشاحبات، امكث طويلا، اغمض عيني حتى اجدني هناك في اللامكان.
* * *
الوذ بحافات البيوت الخلفية، لا اريد ان اكون وحدي ولا بصحبة احد سواي تلك هي الاستحالة غير الممكنة في شوارع مقفرة وامكنة لا توحي بغير حظر ذاتي للتجوال، انسل من الخلف خارجا الى الواجهة، وحيدا اخشى الوحدة يرافقني قلقي المتزايد اتوقع ان اكون صيدا سهلا، لاقل خطر يتهددني مستسلما لاول تحدٍ يواجهني، كيف لي ان اقترح على نفسي رفيقا لا اعرف ادنى شيئا عنه، يصحبني في طريق سالكة موحشة. التحق بي رجل غريب وقال بارتباك: اين وجهتك ياسيدي؟ قبل ان يتلقى صمتي اجابني: مادمت تقصد غرب النهر عبر الجسر فانا برفقتك!
اجتزنا دجلة، كأي مذعورين يوحدنا الصمت، كل يخشى رفيقه، كدت ارد بتأييد ما عن شيئ قاله، ولم يسعني سماعه وسط اصطخاب المروحيات الاميركية المحلقة قريبا من اعالي البيوت دانية تكاد تلامس رؤوسنا العارية.
عند هبوط المعبر الوحيد واجهتنا جانبا مساحات خضر تتدثر بسكون عزلة مغرية ومريبة، ترى هل بمقدوري ان القي بنفسي لهذه الحدائق المجاورة واسترخي الى مالا نهاية. خالية هي مهجورة رغم ائتلاقها وتوهجها لا تشي بالمسرة والطمأنينة، تحت هاجس الخوف، كيف لي ان البي دعوتها للابتهاج وانا منهمك في مسيري احاذر ظلي واعالج خطاي، في بقعة قد تمسي فجأة مهبا للقذائف والرصاص الذي يندلع بين فترة واخرى.
اجتزنا قواطع حجرية وعوارض مختلفة في شوارع شتى، اصطفت عليها مساكن وبيوت حملت رايات ولافتات سود، تعلن عن اسماء قتلى وشهداء مغدورين، دون ان يفضي احد لاخر بعبارة ما، حتى وان كانت كلمة واحدة، او تافهة في الاقل، تنم عن معنى للتواصل والرفقة الحميمة.
فجأة وفي غفلة مني ابتعد رفيقي مندفعا في منعطف فرعي يلوح لي بتحية الوداع وجلا، لمحته لعله كان في اكثر الظن لا يستطيع العدول مثلي عن فكرة ان هناك احساسا مريبا بالخطر لابد للاحتراس منه، يكاد يبدر من الرفيق الاعزل .
* كاتب عراقي
الأحد، أبريل 18، 2010
تكست - تمثال فرات صالح : قراءة في وجع الحرب بقلم حسين سرمك حسن
تمثال فرات صالح
قراءة في وجع الحرب
* حسين سرمك حسن
وقد نشر ملحق ألف ياء الزمان الغراء قصة قصيرة مهمة عنوانها : " التمثال " لهذا الكاتب تعالج موضوعة الحرب أيضا ( السبت – 2/5/2009 ) . والقصة تُحكى بضمير المتكلم ، ويستهلها القاص بمشهد الخراب الشامل الذي يخيم على حياة بطله الشخصية وحياة المدينة على حدّ سواء : " الصحب – الذين لازالوا أحياء - تناثروا في الجبهات البعيدة ، وسماء المدينة مسرح ضيق للإنفجارات المدوية : تم .. تم .. تم .. معزوفة الليل والنهار التي تصم الآذان " . ولأن فرات شاعر مجيد أيضا كما تجلى ذلك في مجموعته الأولى : " وصايا الطباشير " فقد انعكست هذه السمة على اللغة الشعرية الآسرة التي يجسد فيها خسارة بطله المريرة لحبيبته – بعد أن خسر أصحابه الذين " مازالوا أحياء " وهذا تعبير عن خسارة جسيمة أخرى للأصحاب الذين لم يعودوا أحياء : " حبيبتي غادرت مع عائلتها نحو مدينة أخرى لتعلن آخر قطرة دم انسحابها من قلبي الذي تنازعته قطرات الليل المزدحمة بالجنود والأحلام المميتة " . ومن هنا – من الاستهلال الدامي هذا – ينطلق القاص / الشاعر – وبطل القصة شاعر أيضا – ليرسم لوحة الخراب الذي تخلقه الحرب وكيف تنمسخ فيها معاني الحياة البشرية ، فتبلّد مشاعر الإنسان وتحول موضوعة الموت والحياة الجليلة إلى لعبة : " بكاء ابنة الجيران الصغيرة لا ينقطع ، بينما راح أخواي يختصمان على قذيفة قال إنها ( لهم ) بينما أكدت : ( لنا ) وعلا زعيقهما إلى أن أسكتهما مؤقتا دوي قذيفة جديدة " . ولأن الراوي قد حوصر بأذرع الخواء الأخطبوطية وتلاحقه القذائف والشظايا من الجبهة إلى البيت فهو يفكر كيف تكون القذائف مسلية ، يجعلها لعبة للتسلية في وقته الفائض وذلك من خلال قيامه بعدّها . وهنا يواصل لعبته السردية الحاكمة التي تقوم على أساس مقابلة الموت ممثلا بالقذائف وشبح المثكل الذي يلف المدينة بكل مكوناتها بشرا وأشياء ، والحياة ممثلة بارتباطه العشقي بحبيبته التي رحلت وبقت ذكرياته معها متوهجة ضاغطة . لكن كل واقعة أو ميل أو رغبة في ظل الحرب تُجهض ذكرى حميمة أو موقف دافيء مع حبيبته . يقابل أولا بين قطرات الليل المزحومة بالجنود والأحلام المميتة مع قطرات دموع حبيبته التي تنحدر في راحتيه . وقد أمضه التساؤل الوجودي المحيّر : أين أمضي وأنا القادم من القرون الطويلة ؟ تأتي الحيرة مضاعفة لتلف الحبيبين المعذبين : ( اليوم أسندت رأسها إلى كتفي وداعبت شعرها . أحسست بدمعتين صامتتين تنحدران في راحتي ، وبعيني سألتها ، فأومأت إلى الجبهة المشتعلة ) أي قرون أكثر طولا من هناك ؟ . ونستمر في لعبة " القطرات " المتقابلة إذا جاز التعبير .. قطرات الموت السوداء الثقيلة الوقحة المستخفة بكل شيء ، مع قطرات الحياة المنخذلة التي فقدت معانيها الجمالية ولم تعد تعني شيئا : " لابد لي أن أبتكر تسليتي : مثل أن أعد القذائف المنهمرة كالمطر . ( كانت السماء تمطر بغزارة حين سحبتني من يدي قائلة : سترى كم هو رائع السير تحت المطر ؟! – لكنه يجعلني حزينا !! ) أضعت عدد القذائف فشعرت بالغضب " . كل شيء يتهاوى ويتهشم . والأهم هو صوت تهشم روح الراوي المحاصر بالخسارات والعذابات . حتى أماني الطفولة وهي قطرات وردية باهرة تشيع الأمل في أرواحنا بالحياة والنماء تهشمت . لقد وعد جدته بأن يشتري لها قصرا كبيرا وطائرة بدون باب ( حتى لا تسقط منها كما سقط المشير ) وهذه واحدة من توريات فرات المسمومة .. لكنه الآن .. وأصوات الطائرات الحربية المرعبة وهي تخترق حاجز الصوت وتهز الشبابيك وتمزق سماء المدينة بات يكره الطائرات : ( قالت " الجدة " ضاحكة : هل تذكر وعدك لي بقصر وطائرة من دون باب ؟ - لقد كرهت الطائرات ، فهل لك أن تكتفي بالقصر يا جدتي الرائعة ؟ ) .. وفي وصف الراوي الكسير للكيفية التي خسرت بها جدته أبناءها في الحرب واحدا بعد الآخر وجه آخر لمحنته الفاجعة والتي تتمثل في نفض اليد من كل ممكنات الحياة الطقوسية والفلكلورية التي تحمل بعدا خلوديا رمزيا ( طاسات الماء التي رشتها الجدة خلف أبنائها لا جدوى منها ، والحناء التي لطخت بها مراقد الأولياء لم يعد لها من معنى .. النذور والأدعية تقدم للحي الذي لا يموت : الموت ) . خواء واغتراب واستلاب وشعور مرير باللاجدوى من هذا العبء الذي يسمى الحياة . في أعماقه رسّخت الحرب حقيقة ماحقة هي أن لا شيء يستحق . فبعد أن يهدأ القصف يقرّر الخروج - رغم قلق جدته - تحت مسوّغ يعكس عبثية الوجود ولا معناه : " إن لم تنجح الشظايا في اصطيادي في الجبهة ، فهي بالتأكيد لن تتمكن مني هنا !! ) . إنه غريب الوجه واليد واللسان : ( قلت لها ويدها ترف بين يدي مثل فاختة مطمئنة – والفاختة المطمئنة لا ترف فانظر إلى القلق وإلى الإرباك الذي سمّم أسلوب القاص - : إن ضيعتني الخنادق يوما فاذكريني عندما تمرين بهذا التمثال ، فروحي ستكون حائمة حوله إلى الأبد . أفلتت يدها من قبضتي : دعك من هذا الحديث . إنك لا تشبه السياب أبدا . – إننا شقيقان ؛ أبونا الفقر وأمنا الغربة . – هل تتكلم عن الغربة وأنت معي ؟ ابتسمت ولم أقل : - إنني غريب عن جسدي ، والعناكب تبني شراكها فوق روحي ) . يخرج الراوي تحدوه رغبة مجنونة في رؤية تمثاله الحبيب ؛ تمثال السياب الذي مهّد له بخطوات الغربة والمطر الحزين والجدة المثكولة والحبيبة الحيرى والأطفال والأسلحة ( السياب هو أسطورة العراق ) .. ووسط اعتراض سائق التاكسي المنطقي : ( حين يكون الخطر محيطا ببني البشر ، من يسأل عن التماثيل ؟ ) .. تهيج الرغبة الشعرية العارمة – والراوي والقاص شاعران كما قلنا – لتوقف أحكام العقل الباردة وتعطّل مبدأ الواقع ليشتغل مبدأ اللذة .. اللذة الطفلية النقية الكاسحة في التشبث بأذيال الحياة لمقاومة – أو للهروب من ، لا فرق – مخالب المثكل الباشطة . لذة طفلية تؤنسن وتشخصن وتحيي وتميت . هاهو شاعرنا يحيي الحجر ويؤنسن البرونز ، فيصعد قاعدة تمثال السياب ويحيطه بذراعه ويعانقه : ( وانخرطنا في البكاء .. حدثت التمثال عن حبيبتي التي غادرتني وعن الموضع الضيق وعن قصائدي الجديدة ، وحدثني عن أحزان المراكب الغارقة والنوارس التي لم تحلق منذ زمان . وحدثني عن الشظايا التي اخترقت جيب سترته وقال ضاحكا : - حمدا لله فلم تكن فيه نقود ) .. وسط ظلمات الوجع المدلهمة تأتي السخرية السوداء دفاعا وعلاجا نفسيا تخديريا .. وحتى على الموت يمكن أن تتحايل قوى اللاشعور فتجعل من الفناء منفذا لرغبة أصيلة في النفس البشرية .. تجعله عودة مباركة إلى الرحم الأمومي ممثلا بالماء .. وبلا عزلة هذه المرة وليس وحيدا أبدا ، بل ملتحما بحبيبته .. قطرتان ناعمتان تغوصان في أحشاء هذا الرحم الكوني المتلاطم القطرات .. تضيعان هربا من الخراب والموت وعبث الوجود الذي رسمته الحرب : ( عاد القصف فجأة .. ودوى انفجار هائل وامتلأت رئتي بالدخان ، فتذكرت أغنية شائعة عن رائحة البارود .. رأيت حبيبتي يتلألأ جسدها في ضوء الشمس وقطرات الماء تتساقط منه مثل لآليء ثمينة .. سمعت التمثال يصيح بي ( لا تنس القصائد ) لكنني كنت مشغولا بحبيبتي .. ابتدأ الماء يعلو جسدينا .. عانقتها ونزلنا نحو القاع ولم نخرج لحد الآن ) .
* ناقد عراقي مقيم في دمشق
تكســــت - أوراق للريــــــــح كتابة أ.د مجيــد حميــد جاســــم
أوراق للريح
*أ. د. مجيد حميد جاسم
حين علمت بنية استحداث جريدة ثقافية شهرية تعنى بالمشهد الثقافي بكل تمفصلاته المتشعبة من ثقافة , أدب , وفن , ونقد أدبي , وترجمة , وهي تجمع بين الملكة الثقافية المعرفية والمعرفة الأكاديمية الصرفة بصنفيها الموضوع والترجمة , حين علمت بذلك فرحت كثيرا . وهكذا كان إحساسي دائما حيال كل ملحق ثقافي يصدر او مجلة او جريدة تعنى بالثقافة وضروبها شأن أي نثقف آخر . وعلاوة على ذلك , تكون فرحتي اكبر عندما يستمر ذلك الملحق او تلك المجلة . وخلاف ذلك , تصيبني خيبة أمل ويعتريني الإحساس والإحباط حين يتوقف ملحق أدبي رصيد او مجلة ثقافية او أدبية وكما حصل في جريدة الأديب البغدادية الرائعة .
ولكن أوضح ماهية ما سأكتبه ان شاء الله تعالى في عمودي الثابت هذا علي ان استعرض ما انوي ان تنطوي عليه طبيعة هذا العمود . سيشمل عمودي هذا على الموضوعات الثقافية الراهنة التي تشكل هاجسا للثقافة والمثقفين سواء في العراق او في الوطن العربي و العالم . اذ سأحاول في عمودي هذا ان أتناول قضايا الثقافة عامة وقضايا الأدب من رواية وأدب قصصي وشعر ومسرح وشتى الفنون الأخرى , هذا فضلا عن النقد الأدبي ومدارسه المختلفة وتوجهاتها الفكرية .
وبالطبع لا بأس ان تتباين الموضوعات المدروسة بين المقال والموضوع حينا والمقال المترجم حينا آخر إذا ما كانت ثمة حاجة ملحة وفعلية لاي منها . كما أود ان أوضح منذ البدء ان العمود الحالي يستمد موضوعاته من طبيعة الأوراق المقترحة في العنوان ( أوراق للريح ) أي انه لا بأس ان خرج العمود بموضوعاته عن قيود اللغة والإبداع والهم الثقافي الى باقي شؤون الحياة لا سيما ان الحياة عينها هي التي ستوحي بكل موضوعاته وأفكاره لكي يكون بالتالي عاما , مقروءا من عامة القراء بمختلف اهتماماتهم ومستوياتهم العلمية ولا يكون نخبويا مقتصرا على التخصص والاهتمام العلمي التخصصي الضيق فنفقد بذلك الكثير من القراء الذين نحن بحاجة لوعيهم واستجابتهم لما هو مطروح اذ يقترب من هموم الثقافة والمثقفين في المجتمع ويمس تطلعاتهم ويربط بسايكولوجيا الإبداع لديهم .
إننا بعبارة أخرى , بمسيس الحاجة الى ما يعيد تقويم واقعنا الثقافي المعاصر وراهن المشهد الثقافي لتحديد مواطن الخلل وتشخيص مفاصل القوة لكي يصحح المثقفون أنفسهم ويصحح القيمون على الثقافة ما يحتاج التصحيح ويحددوا مسارات الإبداع الثقافي والأدبي باتجاهاتها الصحيحة لكي تصب في صالح مسيرة الثقافة والإبداع على نحو جاد .
ثقافتنا بحاجة الى إعادة نظر في كثير من مفاصلها ومساراتها لانها في واقع الامر لاتزال قاصرة عن مواكبة الإحداث الجسام التي وقعت في العراق ومسايرة التحولات الكبيرة والعظيمة التي حصلت وتحصل في العراق , ولهذا بقيت الإعمال الأدبية وقبلها الأفكار التي تسبق مرحلة الإنتاج حبيسة عقول أصحابها وان استطاعوا ان يترجموا ما استطاعوا ترجمته الى أعمال ادبية وذلك لقصور الرؤية الفنية للكتاب او المتلقين او للاثنين معا . وهكذا موقف هو حتما بحاجة الى تقويم على وفق متطلبات الاحتكام العقلي والتطور الحسي للأولويات بحسب الحاجة اليها فعليا وحسب تراتبية تأتي بالأكثر أهمية فالمهم فالأقل أهمية وذلك للنهوض براهن الثقافة العراقية ..
ثم يأتي السؤال المنطقي ( هل نستطيع نحن فعلا من صنع التغيير / ان تطلب الأمر ذلك / على وفق عملية إعادة التقويم التي تحصل لتصحيح المسارات بكل تنوعاتها ...؟ كيف يمكننا ذلك ونحن بعد لم نؤمن بأهمية الفعل الثقافي فعليا ؟ ترى كيف لنا ذلك ليسهم ذلكم الفعل في خلق مجتمع يلم شتات أفكاره ويعلق جراحه الوجيعة ويصبر بكبرياء لتجميل الالم المحض.
(أوراق للريح) عنوان العمود الذي سيتناول كل ما أشرت إليه متمنيا ان تكون محاولة ناجحة نسطر فيها على الأوراق هواجس الثقافة وهموم المثقفين لتسافر بها الريح في يوم عاصف في كل مكان ... أتمنى ذلك .
تكست - غربــــــاء فـي الجنــــة قصيدة للشاعر عـادل مــردان
غرباء في الجنة
عادل مردان
هل نمتَ قوميساراَ في المهرجان ؟
كرنفال الوجوه الراضيّة
حيث تنفصل النظرات البلّوريـّة
وتسقطُ بلهاءَ على المناضد
يا لعنادك المسالم
لم تتعلمْ شيئاً من الأتكيت
تأتي من أطراف الأبيض القصيّ
الى دنيا الخُطَبِ الباليـة
.
.
.
منزويان عن الأعين
أنا عندليبٌ هرم
أنت كروانٌ مكابر يتصيد في الماء العذب
يقول رقيب الأنطولوجيا حين بترَ القصيدة
لا عليك
لا عليك
من غزة
جئنا
للأحتساء ؟
الأنشاد ؟؟
هروباً من كنف الأسرة ؟؟؟
نحن التائقين الهرمين
نبحثُ في منشأة الطاقاتِ الخلاقة
عن بشرى قيامِ الساعة
يا لجمال الفوضى
ما الذي جاء بنا في استراحة الشتاء ؟
طول الأمل حين ينخر القلب ؟
في غرفة الإشراق الباردة
تزاولُ بعض الألعاب السويدية
ثملاً هكذا تمزحُ بجد
نحن التائقان الى سماء الرفيف
الغرباء
الغرباء
في
الجنة
العنوان : من مقطوعة موسيقية بتصرف
البصرة القديمة
كانون الثاني 2009