-

-

الاثنين، أبريل 19، 2010

تكســـت - موعدنا في باب الكرنـك



... موعدنا في باب الكرنك !

كلمة مشطورة إلى نصفين على مقربة من تمثال العامل في قِدر ساحة أم البروم الحديث. لما يزل ذلك اللمعان الأحمر بادياً عليها رغم وطأة الركام الذي أصبح شاهداً على خراب المدينة وإنهمام ذاكرة أُناسُها بماضٍ بات في خلد البصريين من وحي الزمن الجميل إنها ( الكر/ نك ) ذلك الزمن المستحيل

.إن من أهم الظواهر الحضارية والثقافية في جميع البلدان هي دور السينما , فالسينما لها تأثير مباشر وفعّال على المجتمعات , وهذا التأثير له القدرة على التغيير والارتقاء بالمجتمع , إذ إن السينما هي رافد ثقافي تربوي في آن معا .

كثير من الأميين الذين لم يقرؤوا كتابا واحدا في حياتهم كانت السينما منهلهم الثقافي الوحيد في الحياة , لذا نرى المدمنين على السينما والذين هم على وشك الانقراض يحملون قيما إنسانية وأخلاقية عالية استلهموها من شخوص وإبطال السينما , فمشاهدة الفلم عبارة عن قراءة قصة أو رواية مستنبطة من واقع معيشي ما , كثير من عشاق السينما من يحفظ مصطلحات باللغة الانكليزية , يعجز عن حفظها اليوم طالب جامعي , وقد حدث أيام سقوط النظام البائد رأيت رجلا عجوزا يبلغ من العمر أكثر من ستين عاما يتحدث مع جندي بريطاني , وحينما تحريت عن هذا الرجل وجدته لا يجيد القراءة , وهذه الكلمات تعلمها من السينما حيث قال لي : حينما أشاهد الفلم انظر إلى الصورة وأصغي إلى اللغة الانكليزية ولم اشغل فكري بقراءة الترجمة لأنني لا اعرف القراءة والكتابة , هذه هي السينما وهذا عطاؤها وهؤلاء عشاقها , ومن أكثر الناس عشقا للسينما هم البصريون , حيث عرف البصريون السينما في ثلاثينيات القرن الماضي وأول دار سينمائي في البصرة هي سينما ( الحمراء ) التي تم افتتاحها عام 1933 , ثم افتتحت سينما الوطني عام 1935 , وبعدها سينما الرشيد عام 1936 , وبدأت السينمات تتكاثر في البصرة منذ تلك العقود , حتى وصلت إلى أكثر من عشرين سينما في مدينة البصرة , وكانت دور العرض الشتوية والصيفية , ليس في مركز المدينة ( العشار ) فحسب بل كانت في البصرة القديمة وفي الجمهورية والابلة وبريهة , وكان الفلم الذي يعرض في إحدى دور العرض في العشار يتم عرضه في اليوم الثاني في دار عرض أخرى في الابلة أو في الجمهورية وهكذا , ومندور العرض التي ما زال يذكرها البصريون هي سينما شط العرب الصيفي الذي كان موقعها المجمع التسويقي ألان في العشار , وسينما الوطني , والرشيد واطلس , وهوليود ( سينما غازي ) في شارع الوطن , وسينما السندباد خلف سينما الوطني الصيفي , وسينما البصرة مجمع حجي جاسب حالياً , وسينما النصر مقابل سينما البصرة , وسينما الحمراء الجديدة الشتوية موقعها في مدخل بريهة , قرب ساحة عبد الكريم قاسم في شارع الإطفاء , سينما الحمراء القديمة الشتوية في ما بعد سميت الكرنك في ساحة أم البروم , سينما الحمراء القديمة الصيفية شمال مأرب المربد قرب بريد البصرة , سينما السياب , سينما بورت كلاب خلف مستشفى الموانيء , سينما الميناء الشتوي وسينما الميناء الصيفي في المعقل , سينما الرافدين في البصرة القديمة شارع سيف , سينما رويال قرب سوق العطارين في العشار , هكذا كانت البصرة تعج بدور العرض , واليوم كل من يمر في ساحة ام البروم ويرى سينما الكرنك وهي خاوية على عروشها , عبارة عن كومة من الأنقاض فلا يسترق النظر إليها حتى تخنقه العبرة وتأكله الحسرة .

لا ادري إلى ما نعزو تراجع ذائقة المسئول تجاه السينما ؟في ظل فهم غير سوي يعرف السينما بأنها عارضة أزياء للملابس القصيرة او الصور نصف العارية , لماذا لا يُنظر إلى الجانب الأخلاقي في السينما , إلى الدرس الإنساني الذي تتعلمه الناس من محتوى الأفلام ,

هذه النظرة القاصرة جعلت سينمات البصرة عبارة عن مخازن لبضائع التجار ولم تبق في البصرة سوى سينما اطلس التي فتحت بعد غلقها الذي دام أكثر من خمس سنوات .


التقينا مدير سينما اطلس / السيد محمد محمود شاكر فتحدث : تم افتتاح سينما اطلس أول يوم عيد الفطر المبارك العام 2009 وقد واجهنا صعوبات كثيرة بسبب غلق السينما حوال 5 او 4 سنوات , وعندما فتحت دار السينما أبوابها لاحظنا أن الجيل الجديد عندما يدخل السينما يكون متفاجيء وهو يشاهد هذه الشاشة الكبيرة يا للأسف إلى هذا وصلنا ؛ والسبب في عدم تطور دور العرض في المدينة أنها ترتبط بثلاث دوائر حكومية: دائرة السياحة والسفر ومديرية البلدية ودائرة الصحة , دائرة السياحة وقفت معنا بكثير من الأمور وقدمت لنا الدعم المعنوي اما مديرية البلدية فقد واجهنا منها معاناة كثيرة ووقفت حائلا دون افتتاح السينما بسبب القانون المطبق في زمن النظام السابق ولحد ألان مازال فعالا وهو إن لمديرية البلدية 30% من نسبة التذاكر فكيف استطيع إن ادفع للبلدية نسبة 30% إذا كان عدد الإقبال على السينما اقل من عشرين شخصا في اليوم , اتصلنا بمدير البلدية وقلنا له : نحن خسرنا أموالا بما فيه الكفاية بدون أي ربح. نحن فقط نريد إن نعيد نشاط السينما في البصرة , السينما بحاجة إلى كوادر بحاجة إلى أفلام , تحتاج إلى صيانة وتأثيث ,و بحاجة إلى ترميم , ولكن للأسف يقومون بعرقلة افتتاح السينما ويكسرون كل طموح لدينا ,حاولنا الاستنجاد بالمحافظ ولكن استغاثتنا ذهبت إدراج الرياح , لم نر أي مساعدة لا معنوية ولا مادية من قبل المحافظة , فمديرية البلدية تقول : لا استطيع إن اسقط هذه النسبة الـ( 30% ) فقدمنا كتابا للمحافظ على إن يتحمل هذه النسبة أو تأجل لمدة سنة على سبيل المثال لكي تستطيع السينما إن تقف على إقدامها , ولكن للأسف الشديد لم يدعمنا حتى بهذا الطلب.

هذا بالنسبة لمديرية البلدية والمحافظة إما دائرة الصحة فقد قامت بغلق السينما لمدة سبعة أيام والسبب هو عدم تجديد الإجازة. فهل تجديد ورقة معلقة على الحائط يستوجب إغلاق دار عرض لم تمارس عملها منذ أكثر من خمس سنوات ؟ , وحين التقيت بمدير الصحة قال : هذا ليس عملي ولا مسؤوليتي هناك جهات اعلى مني تطبق القانون وكان القانون مطبق بجميع حذافيره عدا سينما أطلس لا تطبق القانون , فغلقت لمدة سبعة أيام مع غرامة (50) ألف دينا عراقي وتم تجديد الإجازة .

المشكلة إن سينما أطلس هي السينما الوحيدة التي بقيت في البصرة فسينما الكرنك هدمت , وسينما الرشيد بيعت لأحد التجار وسينما الوطن أصبحت مخازن للبضائع .



تكست

ليست هناك تعليقات: