-

-

الاثنين، أبريل 19، 2010

تكست - كفــــة المثقف بقلم هيثم جبار عباس

كفّة المثقف


تقول الكاتبة الألمانية الرومانية هيرتا مولر الحاصلة على جائزة نوبل للآداب عام 2009 في احد الحوارات ( ليس هنالك طريقة تستطيع من خلالها ان تصهر الثقافات القديمة كلها في ثقافة جديدة ) استوقفتني كلمة هيرتا نوعا ما , وطرحت سؤالا على نفسي وقلت : هل بإمكاننا ان نصهر ولو جزءا قليلا من بعض الثقافات القديمة في ثقافة جديدة , المشكلة ان مجتمعاتنا العربية والإسلامية لما تزل متمسكة بثقافات مستهلكة , على الرغم من كل هذا الانفتاح على العالم وما فعلته ثورة الاتصالات عبر شبكتها العنكبوتية , وثورة الفضائيات عبر شاشاتها الصغيرة , الا ان الوضع يتحول من سيء الى أسوا , وكأن الثقافات القديمة تتجدد في كل عصر ولم تتأثر المجتمعات العربية ولا سيما المجتمع العراقي بهذا التطور السريع . ففي ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم كادت ان تموت الثقافات القديمة , حيث كان المثقف في تلك العقود له تأثير مباشر وفعال على المجتمع , وما ان بدأت منطقة الشرق تدخل دائرة الحروب وتسيد الفكر الشمولي والحزب الواحد . أخذت تنمو الثقافات القديمة , المتراكمة في المخزون التراثي , لتملىء الفراغ السياسي , وتعيد أمجادها من جديد , ظنا منها ان ثقافة العقود الستينية والسبعينية والتي قبلها هي ثقافات هشة وغير رصينة , وهي التي أتاحت الفرصة وفتحت المجال امام الدكتاتوريات لتستولي على الحكم . وقد تقبلت جميع الشعوب هذا الفكر التراثي ( التعصبي ) , وظهرت جماعات تحمل ثقافات إسلامية معارضة للأنظمة الدكتاتورية الحاكمة في العراق ومصر ولبنان وأفغانستان وكثير من دول المنطقة خصوصا بعد نجاح الثورة الإسلامية في ايران . المؤلم ان في هذه الثقافات الاسلاموية المتجددة , تحولت الى تطرف مذهبي وتعصب ديني وأصبحت تقتل وتذبح باسم الدين , حيث ظهرت أفكار جديدة من هذا التعصب والتطرف لم نسمع بها من قبل كـ(فكرة التفخيخ ) والانتحار والحصول على الجنة بضغطة زر , وفكرة الفرقة الناجية والكل في جهنم , المشكلة حينما ننقب التاريخ نجد ان هذه الافكار ليست وليدة امس او اليوم , بل هي افكار متجذرة في عقائد مجتمعاتنا العربية , ومستنبطة من صميم تراثنا , وقد مورست هذه الافكار بشتى أنواعها عبر التاريخ العربي والإسلامي , الا ان الفارق هو باستخدام الأدوات ففي العصور السالفة كان الرمح والسيف وقطع الرؤوس قائما على قدم وساق واليوم الـ ( تي ان تي ) والتفخيخ هما البديل , وكأن التاريخ يعيد نفسه كمال قال ( فردريك انجلز ) . فكيف يستطيع المثقف ان يصهر تلك الثقافات العقائدية القديمة بثقافة حديثة , هل هناك طريقة للتخلص منها ؟ نحن لا نؤمن بصمت المثقف , ولكن الثقافة مستويات متفاوتة بين الناس , على المثقف ان يرتقي بنفسه ولو ببضع درجات , ليتحول من مثقف جاهز لطرح الأسئلة الى مثقف مفكر يرفدنا بحلول المشكلة , المثقف هو الذي يطرح المشكلة بمستواها العام , والمفكر هو الذي يجد حلولا لهذه المعضلات , معضلات التفخيخ والتفجير , من أين جاءت ؟ وكيف نمت واستفحلت ؟ وكيف القضاء عليها . اعتقد ان هناك حلولا بسيطة للتخلص من تلك الثقافات القديمة , وهي مواظبة المثقف على معالجة جزء من ثقافة الموروث القديمة , لكي نستطيع بناء ثقافة جديدة , وليس الموروث برمته بل بعض ثقافاته القبلية , هذه الثقافات التي لم نجن منها سوى التقتيل والتهجير والتطرف الديني والانشقاق الطائفي , هذه الثقافة التي تحض على قتل الإنسان ولا تترك مجالا للحوار , وإلا ماذا تتوقع من بعض الخطباء حينما يفسرون هذه الآيات الكريمة (( اقتلوهم حيث ثقفتموهم )) (( اعتدوا عليهم بمثل ما اعتدوا عليكم )) بالتأكيد لا نتوقع من الذي يستمع الى تفسير هؤلاء سوى التفخيخ والانتحار في سبيل الله , على المثقف ان ينظر الى التراث بمنظار حديث ويحدق بثقافة تراثه التي ما زالت تمارس لحد الآن ويعمل على استئصالها جذريا , حتى لو تطلب الأمر ان نكتب تاريخا جديدا .

هيثم جبار عباس

Hm_jb@yahoo.com


ليست هناك تعليقات: